الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ووُضِعَ في تجارته كَعُنِىَ: خَسِرَ.قال ابنُ دُرَيْد: وَضِعَ يَوْضَعُ كوَجِلَ يَوْجَل لغةٌ فيه.وفى حَسَبِهِ ضَعَةٌ وضِعَةٌ بالكسر أي انْحطاطٌ، والهاء عوض عن الواو.وقد وَضُع الرَّجُل ككرُم يَوْضُع ضَعة وضِعةً.قال الفرّاءُ: يُقال: له في قَلْبِى مَوْضِعَةٌ ومَوْقِعَةٌ، أي مَحَبَّةٌ.ووضَعْتُ عنده وَضِيعًا، أي استَوْدَعتُه وَدِيعَةً.وقوله تعالى: {ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ} أي حَمَلُوا ركابَهم على العَدْوِ السّريع.ومنه الحديث: «أَنَّه أَفاضَ من عَرَفَةَ وعليه السَّكِينَة وأَوْضَعَ في وادِى مُحَسِّر».وقال صلى الله عليه وسلم: «أَيّها الناس عليكم بالسَّكِينَة فإِنَّ البِرَّ ليس بالإِيْضاع».ورَجُلٌ مُوَضَّع كمعظَّم: فيه تَخَنُّثٌ.وتَواضَعَ: تَذَلَّلَ؛ وما بيننا: بَعُدَ.وإِنَّ بَلَدَكم لمُتواضِعٌ عنَّا: مُتَباعِدٌ، قال ذو الرّمَة:
اهـ.
وقال الآخر: وقال عوف بن الخرع: وربما جاءت الصفة فأرادوا توكيدها، واستوحشوا من إعادتها ثانية لأنها كلمة واحد، فغيّروا منها حرفا، ثم أتبعوها الأولى.كقولهم: (عطشان نطشان) كرهوا أن يقولوا: عطشان عطشان، فأبدلو من العين نونا.وكذلك قولهم: (حسن بسن) كرهوا أن يقولوا: حسن حسن، فأبدلوا من الحاء باء. و(شيطن ليطان) في أشباه له كثيرة.ولا موضع أولى بالتكرار للتوكيد من السبب الذي أنزلت فيه: قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (1) [الكافرون: 1] لأنهم أرادوه على أن يعبد ما يعبدون، ليعبدوا ما يعبد، وأبدؤوا في ذلك وأعادوا، فأراد اللّه، عزّ وجلّ، حسم أطماعهم وإكذاب ظنونهم، فأبدأ وأعاد في الجواب. وهو معنى قوله: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) [القلم: 9] أي تلين لهم في دينك فيلينون في أديانهم.وفيه وجه آخر، وهو: أن القرآن كان ينزل شيئا بعد شيء وآية بعد آية، حتى لربما نزل الحرفان والثلاثة.قال زيد بن ثابت: «كنت أكتب لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم: لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله. فجاء عبد اللّه ابن أمّ مكتوم فقال: يا رسول اللّه إني أحب الجهاد في سبيل اللّه، ولكن بي من الضرر ما ترى. قال زيد: فثقلت فخذ رسول اللّه، صلى الله عليه وسلم، على فخذي حتى خشيت أن ترضّها، ثم قال: اكتب: {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[النساء: 95]».وروى عبد الرّزاق، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن أنه قال في قول اللّه عز وجل: {وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32] قال: كان ينزل آية وآيتين وآيات، جوابا لهم عما يسألون وردّا على النبي. وكذلك معنى قوله سبحانه: {وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106] شيئا بعد شيء.فكأن المشركين قالوا له: أسلم ببعض آلهتنا حتى نؤمن بإلهك، فأنزل اللّه: {لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (3)} [الكافرون: 2، 3]. يريد إن لم تؤمنوا حتى أفعل ذلك. ثم غبروا مدّة من المدد وقالوا: تعبد آلهتنا يوما أو شهرا أو حولا، ونعبد إلهك يوما أو شهرا أو حولا، فأنزل اللّه تعالى: {وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (5)} [الكافرون: 4، 5]. على شريطة أن تؤمنوا به في وقت وتشركوا به في وقت.قال أبو محمد: وهذا تمثيل أردت أن أريك به موضع الإمكان.وأما تكرار {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (13)} [الرحمن: 13] فإنه عدّد في هذه السورة نعماءه، وأذكر عباده آلاءه، ونبههم على قدرته ولطفه بخلفه، ثم أتبع ذكر كل خلّة وصفها بهذه الآية، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين، ليفهّمهم النّعم ويقرّرهم بها، وهذا كقولك للرجل أجل أحسنت إليه دهرك وتابعت عنده الأيادي، وهو في ذلك ينكرك ويكفرك: ألم أبوّئك منزلا وأنت طريد؟ أفتنكر هذا؟ و: ألم أحملك وأنت راجل؟ ألم أحج بك وأنت صرورة؟ أفتنكر هذا؟.ومثل ذلك تكرار {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 15، 17، 22، 32، 40، 51] في سورة {اقتربت الساعة} أي: هل من معتبر ومتّعظ؟.وأما تكرار المعنى بلفظين مختلفين، فلإشباع المعنى والاتساع في الألفاظ.وذلك كقول القائل: آمرك بالوفاء، وأنهاك عن الغدر. والأمر بالوفاء هو النّهي عن الغدر. و: آمركم بالتّواصل، وأنهاكم عن التّقاطع. والأمر بالتواصل هو النهي عن التّقاطع.وكقوله سبحانه: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)} [الرحمن: 68]. والنخل والرّمان من الفاكهة، فأفردهما عن الجملة التي أدخلهما فيها، لفضلهما وحسن موقعهما.وقوله سبحانه: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى} [البقرة: 238] وهي منها، فأفردها بالذّكر ترغيبا فيها، وتشديدا لأمرها، كما تقول: إيتني كل يوم، ويوم الجمعة خاصّة.وقال سبحانه: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ} [الزخرف: 80] والنّجوى هو السر. وقد يجوز أن يكون أراد بالسرّ: ما أسرّوه في أنفسهم، وبالنّجوى: ما تسارّوا به.وقال ذو الرّمة: واللّعس هو: حوّة، فكرّر لما اختلف اللفظان.ويمكن أن يكون لما ذكر الحوّة، خشي أن يتوهّم السامع سوادا قبيحا، فبيّن أنه لعس، واللعس يستحسن في الشّف اهـ.وأمّا الزيادة في التوكيد فكقوله سبحانه: {يَقولونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 167] لأن الرجل قد يقول بالمجاز: كلمت فلانا، وإنما كان ذلك كتابا أو إشارة على لسان غيره، فأعلمنا أنهم يقولون بألسنتهم.وكذلك قوله: يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ [البقرة: 79] لأن الرجل قد يكتب بالمجاز، وغيره الكاتب عنه.ويقول الأمّي: كتبت إليك، وهذا كتابي إليك. وكلّ فعل أمرت به فأنت الفاعل له، وإن وليه غيرك. قال اللّه عز وجل: في التابوت: تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ [البقرة: 248].
|